-->

الثلاثاء، 31 يوليو 2012






الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:

فإن لله - تعالى -صبغةً مميزة، لا تشبهها صبغة، يصبغ بها حياة المؤمنين، فتفترق عن سائر الصبغات التي تلوث نقاء الفطرة، وأسلوب الحياة البشرية. وتسميتها (صبغة) يدل على شدة نفاذها، وسريانها، وإضفائها، على مسارب النفس والشعور، وغشيانها مختلف جوانب الحياة، حتى إن النفس لتصطبغ بها، والحياة تتلون بلونها الفريد. قال - تعالى -: (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون) [البقرة: 138]
1- فهي صبغة للنفس؛ تمنحها معاني صائبة، وتصورات رائقة، تسكب فيها السكينة والطمأنينة.
2- وهي صبغةٌ للعقل؛ تمنحه القناعة، والاطراد، والصفاء، وتحميه من الشك، والتناقض، والخرافة.
3- وهي صبغة للأخلاق؛ تصطفي مكارمها، وتنبذ سفسافها، وترقى بها عن قصد الخلق إلى العبادة.
4- وهي صبغةٌ للسلوك؛ تجلله بالسمت الحسن، والأدب الجم، والمنطق الرفيع، ومراعاة الآخرين.
5- وهي صبغة للعشرة الزوجية؛ تعقدها بكلمة الله، وتحوطها بأمانة الله، فتجعلها مودةً، ورحمة.
6- وهي صبغةُ للمرأة؛ تنشئها على الصون، والطهر، والقنوت، وحفظ غيبة الزوج، وتربية الأجيال.
7- وهي صبغة للمجتمع بأكمله؛ تقيم قواعده على المحبة الإيمانية، والتكافل، وتشيع فيه الفضيلة.
8- وهي صبغة للعلاقات العامة؛ تضمنها بالتقوى، والوفاء بالعقود، وتنفي عنها الغدر والخيانة.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي، - رحمه الله -: (أي الزموا صبغة الله، وهو دينه، وقوموا به قياماً تاماً، بجميع أعماله الظاهرة والباطنة، وجميع عقائده، في جميع الأوقات، حتى يكون لكم صبغةً وصفة من صفاتكم، فإذا كان صفةً من صفاتكم، أوجب ذلك لكم الانقياد لأوامره طوعاً، واختياراً، ومحبةً، وصار الدين لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب، الذي صار له صفة، فحصلت لكم السعادة الدنيوية والأخروية، لحث الدين على مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ومعالي الأمور) [يسير الكريم الرحمن: 1/98]
(ومن أحسن من الله صبغة) أي لا أحد أحسن، ولا صبغة أحسن. وذلك يدل على الحسن المطلق الذي تقصر عنه سائر الصبغات. ولا ريب أن ثَمَّ صبغات، ملوثة، شائهة، تصطبغ بها فئام من الناس، بسبب إعراضهم عن دين الله، واجتيال شياطين الإنس والجن لهم، كما قال في الحديث القدسي: (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم) رواه مسلم.
ومن صور الاجتيال الشيطاني، الذي صبغ بغير صبغة الله:
الصبغة الشركية: التي استرقَّت العباد للعباد، وأوقعتهم في الظلم العظيم. قال - تعالى -: (إن الشرك لظلم عظيم) [لقمان: 13]
الصبغة اليهودية: التي نفخت في النفوس الكبر، والجحود، والعدوان. قال - تعالى -: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين) [المائدة: 64]
الصبغة النصرانية: التي تاهت بأصحابها، وأضلتهم عن سواء السبيل. قال - تعالى -: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) [المائدة: 14]
الصبغة الحيوانية: التي يتردى في ظلماتها الذين لا يعلمون، في غفلة مطبقة، وحياة بهيمية. قال - تعالى -: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) [الأعراف: 179]
وبإزاء هؤلاء جميعاً، تبدو هذه الأمة المختارة، مصطبغة بصبغة الله، نقية، زكية، توحد الخالق، وتنفع الخلق. قال - تعالى -: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) [آل عمران: 110]، وقال: (لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)[آل عمران:164].وتكتمل هذه الصبغة حين يصبغ الله أهلها بالنعيم المقيم في الجنة، كما صبغهم بالمنهج القويم في الدنيا.
0 تعليقات على " تفسير صبغة الله "

مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ

جميع الحقوق محفوظة ل أبجديات فيلسوف