المقبرة !!
السلام عليكم ورحمة الله
بسم الله الرحمن الرحيم
المقبرة !!
وليس بين الحياة و الموت إلا حاجز عندما يُزاح ضئيل ،.. وقفت في المقبرة حائرا حزينا أتنقل بين القبور واحداً تلو الآخر لعلني أجد ما أبحث عنه ، وما بين قبر و قبر كانت هناك مساحة لا تكفي لوضع قدم أمرٌ دعاني إلى التفكر و الخوف ، و كيف لا يخاف من يخطوا كل يوم صوب نهايته ، كيف لا يخاف من يُشاهد أناسا كانوا له حياة و اليوم لا حياة لهم و لا بحالهم نحن عالمون ، أثناء تجوالي في المقبرة العريقة لفت أنتباهي عدد الزوار القادمين من كل حدب و صوب و لفتت أنتباهي تلك القصة التي قدِمت بكل واحد منهم إلى هناك ، صبي في الزاوية يذرف الدموع على قبر صغير لا بُد أنه أخاه ، شابة في مقتبل العمر تُحادث زوجها بكل جديد و كل طارئ ، عجوز سبعينية تتمنى اللحاق بزوجها الذي تركها قبل أعوامٍ وحيدة على معترك الحياة و آلاف القصص و الذكريات تجوب المكان ...و أيُ أناسٍ لم تصبهم سجاله ؟!
ولا فرق بين مقبرة العامة
و مقابر الساسةو الوزراء و العساكر و الوجهاء ، ثم تذكرت حجم التنافس هنا على المناصب و الألقاب و جمعِ الأموال بشتى الطرق الممكنة ، هل يصح أن تغيب الحقيقة عن الجميع ؟ .. ، أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟
و من بين جميع القبور وجدت قبر امي وابني و بقربهم الكثير من المعارف و الأصدقاء ، شعرت و أنا أقف بالقرب منهم بتفاهة هذه الدنيا و قصر أمدها ، شعرت بكمٍ من الشوق لا نهاية له ، شعرت بكل دمعة منسية تركها قادم بُعيد سفر و أرملة ذات شوق ، أحسست بِضعفنا أمام الله و أقترابنا من لقاءه ، ثم تذكرت نصيحة جميلة قرأتها قبل زمن : يا من تؤخر التوبة بحجة أنك صغير عفواً فالمقابر ليس مكتوبا عليها للكبار فقط ، فعلا لا عُمر و لا سلطة و لا قبيلة ستكون حاجزاً بينك و بين الموت ، إنما هي لحظات قلائل يجب أن نعيشها بسلام بحب و طمأنينة و صلاة مؤمنين بقدر الله مسلمين بقضائه ؛
سلام و قبلة على جبين من ماتوا ثم روح و ريحان و جنات النعيم....